نصّ الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:
فقد اتّفق العلماء على أنّ المراد بأهل الكتاب هما الطّائفتان اللّتان أنزل عليهما الكتاب من قبلنا، لقوله تعالى:{أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ} [الأنعام:156].
ولكنّ بعض أهل العلم وسّع مفهوم أهل الكتاب:
- فمذهب الأحناف أنّه يلحق بهما غيرهما ممّن أوتي كتابا.
قال ابن نجيم الحنفيّ رحمه الله في " البحر الرّائق "(3/110) بأنّهم:" كلّ من يعتقد دينا سماويّا وله كتاب منزّل كصحف إبراهيم وشيث، وزبور داود ".
كما أنّ ابن الهمام رحمه الله ذكر اختلاف العلماء في دخول الصّابئين فيهم[1]؛ وذلك لأجل الاختلاف في معنى الصّابئين، فمن رأى أنّهم طائفة من النّصارى أو اليهود، أو طائفة تدّعي اتّباع يحيى عليه السّلام أدخلهم مع أهل الكتاب، ومن رأى أنّهم عبدة الكواكب فهم كالمشركين.
- وألحق الظّاهريّة بهما المجوس أيضا، قال ابن حزم رحمه الله[2]:
" وأمّا المجوس فقد ذكرنا في "كتاب الجهاد" أنّهم أهل كتاب، فحكمهم كحكم أهل الكتاب في كلّ ذلك ".
- والصّواب هو مذهب الجمهور، أنّه لا يشمل غير اليهود والنّصارى.
ذلك؛ لأنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ما عمّم الحكم في غيرهم، ولم يُنقل عنه صلّى الله عليه وسلّم أنّه عامل غير أهل الكتابين معاملتهما.
قال ابن قدامة رحمه الله[3]:
" فأهل الكتاب اليهود والنّصارى ومن دان بدينهم كالسّامرة يدينون بالتّوراة، ويعملون بشريعة موسى عليه السّلام، وإنّما خالفوهم في فروع دينهم، وفِرق النّصارى من اليعقوبيّة والنّسطوريّة والملكيّة والفِرنجة والرّوم والأرمن وغيرهم ممّن دان بالإنجيل. ومن عدا هؤلاء من الكفّار فليس من أهل الكتاب بدليل قول الله تعالى:{أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ} [الأنعام:156] ".
ووجه الدّلالة: أنّ الله ذكر ما يمكن أن يكون شبهة فحصره في طائفتين فحسب.
ثمّ قال رحمه الله:" وأمّا الّذين لهم شبهة كتاب فهم المجوس، فإنّه يُروى أنّه كان لهم كتاب فرُفع، فصار لهم بذلك شبهة أوجبت حقن دمائهم وأخذ الجزية منهم، ولم ينهض في إباحة نكاح نسائهم ولا ذبائحم دليل، هذا قول أكثر أهل العلم ".
والله تعالى أعلم.